إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
45501 مشاهدة print word pdf
line-top
الإيمان يمان والحكمة يمانية

قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا. الإيمان يمان والحكمة يمانية السكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر قِبل مطلع الشمس .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غلظ القلوب والجفاء في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز .


اليمن هو ما كان جنوب مكة أو وراء الطائف كل هذا من اليمن إلى نهاية البلاد اليمنية. ذكر في هذا الحديث فضيلة أهل اليمن ؛ وذلك لأنهم استجابوا للدعوة ولم يقاتلوا، ولما جاءهم الدعاة إلى الإسلام استجابوا، ودخلوا في أول مرة؛ في أول دعوة دخلوا في الإسلام، وبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة؛ فبعث إليهم معاذ بن جبل فاستجاب له من وصله، ثم بعث أبا موسى وأبو موسى من أهل اليمن ثم بعث عمار بن ياسر وسلمان كلهم دعاة، وتفرقوا في اليمن لسعة البلاد وصاروا يعلمون الناس، وكل من دعوه استجاب ولم يتلعثم، ولم يقولوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، ولم يتمسكوا بعادات آبائهم؛ فدل ذلك على رقة في قلوبهم، وعلى تقبل منهم.
جاء وفد منهم إلى المدينة فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه قوم من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم. قالوا: بشرتنا فأعطنا. -هكذا عادة في الجفاة- فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم. فقالوا: قد قبلنا. جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر ثم لما وفدوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: جاءكم أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة ؛ يعني: أنهم تدخل الموعظة إلى قلوبهم؛ لرقتهم ولينهم وليس في قلوبهم شيء من النظرة ولا من القسوة، ثم زكاهم بقوله: الإيمان يمان والحكمة يمانية الإيمان يعني: الأصل أنهم فيهم الإيمان، وفيهم الحكمة التي هي الحكمة كلام قيم لطيف.
والحاصل أنه زكاهم بهذه الأحاديث. كذلك ذكر أيضا غيرهم بقوله: إن السكينة في أهل الغنم يعني: رعاة الغنم من البوادي السكينة فيهم، والجفاء وغلظ الطبع في الفدادين، أصحاب الإبل من حيث يطلع قرن الشمس؛ أي: من حيث المشرق ويشير إلى العراق أنه مشرق المدينة أي: أنهم أهل جفاء وأهل غلظ؛ طباعهم غليظة وقلوبهم قاسية. لا يستجيبون للدعوة لأول مرة. الإيمان الذي وصف به هؤلاء يراد به التصديق والعمل الصالح، ومن كان كذلك فإنه من أهل الإيمان، وكذلك أيضا عادة أن رعاة الغنم يكون فيهم شيء من التواضع، ومن السكينة ومن التقبل والإقبال، وأن أهل الإبل يفتخرون بإبلهم، ويعتزون ويظهرون التكبر والإعجاب؛ فلذلك قال: إن فيهم غلظ الطبع وفيهم الكبر وفيهم الخيلاء.
ثم ليس هذا مصدر الجهل؛ فكثيرا ما يكون في أهل اليمن جهل ومعاص وبدع، وكثيرا ما يكون في أهل الغنم أيضا شيء من الجفاء ومن القسوة، ومن الجهل أو التجاهل ومن المعاصي، وكثيرا ما يكون في أهل الإبل إيمان ودين وتقبل، ولكن كأنه يذكر أن هذا هو الأغلب والأكثر، وأنه يوجد ما هو مخالف لذلك أحيانا، والتزكية في أهل الحجاز في ذلك الوقت؛ يعني أن الأغلب أنهم تقبلوا وأسلموا، وأن أهل المشرق بقي فيهم شيء من الجفاء ومن رد الرسالة.

line-bottom